أنا رجل نشأت في أسرة متوسطة لأب وأم على خلاف دائم. أمي ثائرة طوال الوقت، عصبية، حادة المزاج، شديدة الغيرة والاتهام لأبي بالخيانة مع كل وأي امرأة يراها! وغالباً ما كانت تصب هذه الثورة علىّ وعلى إخوتي بالضرب المبرح مستخدمة الربط بالحبال والضرب بخرطوم البوتاجاز. هذا بالطبع بالإضافة إلى الشتيمة، والصراخ، والإهانات المختلفة، والحرمان من الطعام. أيضاً كان علينا في أحيان كثيرة مسئولية تنظيف البيت، وغسيل الأواني، وترتيب المنزل عندما لم يكن هناك من يقوم بذلك، أو كنوع من العقاب أو في الإجازات الصيفية. لم تكن هذه فقط أنواع الإساءات التي تعرضت لها في طفولتي بل أيضاً تعرضت لإساءات جنسية من أحد أقربائي وأيضاً من الخادمة التي كانت بالبيت. وكان عمري وقتها حوالي السبع سنوات.
شعرت بالرفض من أهلي وكانت الرسالة الأساسية التي تتردد بداخلي هي: "غالباً أنا مش ابنهم"! وتملكني شعور بالخوف على الدوام. الخوف من أي سلطة، الخوف من الكبير عموماً، لدرجة إني كنت أحلم أثناء نومي حلماً متكرراً كان يفزعني ويخيفني باستمرار. عانيت أيضاً من الشعور المستمر بالذنب وعدم القيمة.أحسست أنني فقط علي مسئوليات وواجبات يجب القيام بها، ليس لدى حقوق. ليس لي الحق أن أقول رأيي أو أفصح عن مشاعري، ليس لي أن أختار حتى ماذا ألبس أو من أصادق، ليس لي مصروف شخصي وليس من حقي الخروج مع أصدقائي.
في وقت مبكر من حياتي تعلمت العادة السرية. كانت لي المخرج والمنفذ من الضغط. وقتها لم أكن أعلم أن هذه الوسيلة ستكون البركان الذي يلتهمني فيما بعد. وإن ما زرعته لإسكات وإخماد مشاعر الألم والوحدة سوف يكون عليّ أن أحصده من تسلط الجنس عليّ واستعبادي للشهوة واقتراف الذنوب. أعترف إني لجأت لسلوكيات وعلاقات خاطئة مما شوهني أمام نفسي أكثر ولذلك كنت أختبئ أكثر وأكثر.
في ذات يوم رفعت عينى نحو السماء، وطلبت من الله تعالى الغفران والقبول، وتغيرت حياتي في مجالات كثيرة. لكن بعد فترة وجدت نفسي أعود لبعض السلوكيات القديمة، وحاولت كثيراً مع نفسي، ولم أكن أدرك وقتها أنني محتاج لأن أفهم نفسي وأعماقي والأسباب التي تحرك هذه السلوكيات. أحد المشيرين ساعدني أن أفهم نفسي وساندني في مشوار التعافي والشفاء، ومنه تعرفت على إحدى وسائل المساعدة أيضاً وهي مجموعات المساندة.
من خلال هذه المجموعات بدأت أتلامس مع نفسي من الداخل وأتعرف على أماكن الاحتياج. بدأت أتعرف على مشاعري وأميز بينها. وجدت الفرصة للمرة الأولى في حياتي أن أُسمَع وأُقبَل كما أنا برغم التشوهات. وأعترف بخبايا حياتي في جو من القبول والأمان. أهم من كل هذا أنها ساعدتني أن أرى الله من منظور جديد صحي حقيقي.
لقد كنت أتعامل مع الله كأب قاسي وكنت كثيراً أراه وكأنه يضع قدمه على رأسي. كان هذا المشهد يؤلمني ويشعرني أيضاً بالذنب الرهيب: كيف أجرؤ أن أفكر عن الله بهذه الطريقة؟ ولكن المشهد كان يلاحقني حتى في وقت صلاتي. من خلال تفريغي لمشاعري السلبية وكلامي وتعبيري عن رأيي، بدون حجر من أي من أعضاء المجموعة، ومن خلال ما سمعته وتعلمته فيها من أعضاء المجموعة وخبراتهم الشخصية وتجاربهم، وجدت نفسي أشفى من هذه الصورة المشوهة عن الله. وجدت هذا ليس فقط مع الله غير المنظور ولكن مع أشخاص مثلي رجال أجد معهم الأمان والقبول والتقدير من خلال أن أسمعهم ويسمعونني أعبر عما في داخلي وأتعلم منهم كيف يعبرون عن مشاعرهم وأفكارهم في حرية واحترام وقبول وسرّية.
تعليقات
إرسال تعليق